انتهاء المهلة في 28 شباط، دفع بالمجلس المركزي لمصرف لبنان برئاسة رياض سلامة وحضور جميع الأعضاء، مع رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، إلى عقد اجتماع اليوم في الأول من آذار “وتم الاتفاق على وضع خريطة طريق للقطاع المصرفي مع مهل لتنفيذ التعميم 154. ومن المقرر أن يلجأ مصرف لبنان من خلالها إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة المتعلقة بتطبيق أحكام التعميم رقم 154، وذلك استناداً إلى تقارير معدة من قبل لجنة الرقابة على المصارف”. كما قرر المجلس المركزي الإبقاء على اجتماعاته مفتوحة دورياً لمتابعة الموضوع، ومعالجة وضع كل مصرف على حدة، بالتنسيق مع كل الجهات المعنية وهي هيئة الأسواق المالية، هيئة التحقيق الخاصة، والهيئة المصرفية العليا.
فرز المصارف
ووفق مصدر من مصرف لبنان في حديث إلى “المدن”، فإن البنك المركزي لن يمدّد المهل بشكل عشوائي للمصارف، إنما سيتعامل مع كل مصرف على حدة. وسيعمل مع لجنة الرقابة على المصارف، كمرحلة أولى، على التدقيق في بيانات المصارف المقدّمة من قبلها لزيادة رساميلها، وفي طلبات بعض المصارف لإمهالها المزيد من الوقت لتأمين تلك الإلتزامات، مع تبيان الآليات المعتمدة من قبلها. بمعنى آخر من المتوقع أن يتجه مصرف لبنان إلى اتخاذ قرارات فردية متعلقة بكل مصرف على حدة، حسب المعطيات المتقدم بها، وحسب جدية المصرف وقدرته على تأمين الالتزام بالبنود المفروضة بالتعميم 154، والمتعلقة برأس المال والسيولة، خصوصاً أن عدداً من المصارف قامت ببيع وحدات وفروع لها في الخارج في سبيل تطبيق التعميم 154. لكنها تستلزم بعض الوقت لإتمام صفقات البيع وتسييل قيمها.
ووفق المصدر، فإن عدد المصارف التي لن تتمكن من الإلتزام بزيادة رساميلها 20 في المئة تقارب الـ5 مصارف فقط، إلا أن عدد المصارف التي لن تتمكن على الإطلاق من الإلتزام بتأمين 3 في المئة من السيولة فيزيد عددها عن 12 مصرفاً.
من هنا، يرى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، الدكتور سمير حمّود، في حديث إلى “المدن”، أن المصرف “العاقل” يجب أن يصارح نفسه بأنه إن لم يتمكن من الالتزام بالـ20 في المئة والـ3 في المئة، يستحيل عليه أن يُكمل رحلة الإصلاح المصرفي، مشبّها الأمر “كمن يفشل في السير 100 متر ويصرّ على المشاركة في ماراتون”.
أموال الـfresh
ووفق المصدر، فإن سلسلة تعاميم ستصدر تباعاً لتنظيم إجراءات مصرفية من شأنها استعادة ثقة المودع تدريجياً، وإن كانت المهمة ليست بالأمر السهل. وأول تلك الإجراءات إلزام المصارف بفتح حسابات بالدولار الأميركي مقابل تكوين ما يُعادل الوديعة بالدولار لدى المصارف المراسلة في الخارج، بمعنى أن يتم الفرض على كل مصرف يريد استقبال وديعة دولارية جديدة (fresh money) أن يُكوّن مقابلها احتياطياً بنسبة 100 في المئة من قيمتها لدى أحد المصارف المراسلة خارج لبنان، أو أن يقوم بتحويلها كاملة إلى حسابه لدى المصرف المراسل.
بهذه الآلية من الممكن أن تبدأ المصارف برحلة استعادة ثقة المودعين، يقول المصدر. ويلفت إلى استهداف مصرف لبنان استعادة ثقة المودعين والمصارف المراسلة على حد سواء.
وفي هذا الصدد، يرى حمّود أن فكرة استقطاب ودائع جديدة بالعملة الأجنبية يجب ألا تخضع للمقاصة الداخلية. بمعنى أنه لا يمكن للمصارف حالياً تدوير الودائع الجديدة في الداخل اللبناني “فقد سبق لها أن حرقت أصابعها”.
من هنا سيتم الفرض على المصارف أن تقابل كل وديعة جديدة بالعملة الأجنبية بتكوين نسبة 100 في المئة من قيمتها كسيولة مصرفية في الخارج، أو تحويل الوديعة إلى المصرف المراسل. وبرأي حمّود، مهما حصل اليوم لا يمكن للمصرف أن يستعيد لعب دوره الحقيقي من جديد. كما أن قرار إيداع قيمة الوديعة كاملة في المصرف المراسل، على الرغم من أهميته، سيجعل من المصارف اللبنانية مجرد صناديق لا أكثر، وليست مصارف بالمعنى الحقيقي، لأن المصرف عادة يحصل على الوديعة ويقوم مقابلها بالتسليف أو الاستثمار. أما اليوم فلا يمكنه ممارسة هذه المهام. وبالتالي، بات المصرف أشبه بوسيط للبنوك المراسلة وليس وسيطاً للاقتصاد.
ويلتقي حمّود مع المصدر من مصرف لبنان بأن مهمة استعادة الثقة تستلزم مشواراً طويلاً، وما يحصل اليوم هو أمر ضروري لكنه لا يتعدى كونه خطوة خجولة.